4 قصص

المقاله تحت باب  قصة قصيرة
في 
16/02/2013 06:00 AM
GMT



نزار عبد الستار

ساعتان

كتب إليها: هل حدثتك من قبل عن الساعتين اوميغا وكاسيو. يوجد في رأسي الكثير من الكلمات ولا اعرف متى قلتها لك.

وكتب بعدها: وبالأمس استيقظت في الرابعة والنصف فجرا. هل حدث لك شيء في هذا التوقيت. هل شعرت بصداع مثلا. انا اردت ان انبهك لأمر فاليوم قرأت خبرا عن انفجار بطارية الليثيوم أيون في جهاز كالاكسي نوت لمواطن كوري جنوبي. اريدك ان تنتبهي جدا.

ردت كاتبة: لم تحدثني من قبل عن اوميغا وكاسيو وأنا كنت نائمة في هذا التوقيت. لا تدع الكلمات تسيطر عليك. اتصل بأصدقائك. انا بخير لا تقلق.

كتب إليها: الاوميغا أهداني إياها ابي في اول يوم لي في المدرسة والكاسيو هي اول ساعة اشتريها. ربما في هذا التوقيت حلمت بشيء لأنني سمعتك تناديني.

وكتب بعدها: قدحك الأزرق الذي تشربين فيه الحليب مع الزنجبيل سقط من يدي وانكسر. كل احلامك تأتيك بعد الرابعة فجرا. انا اسف لا أعرف كيف سقط من يدي. سامحيني.

ردت كاتبة: فداك ولا تفكر بالكوري الغبي. ربما اكون قد ذهبت الى التواليت في هذا التوقيت وإذا كنت قد ناديتك فهذا لأنني افكر بك اول ما استيقظ.

كتب: حقا؟.

وسألها بعدها: هل شعرت بألم في المعدة بالأمس في حدود العاشرة صباحا؟.

أجابت: انا زوجتك منذ سبع سنوات فكيف لا افكر بك. لا لم يكن الما في المعدة. في هذا التوقيت تذكرت اننا منذ يومين لم نشرب القهوة معا.

كتبت اليه بعدها: اريد ان تغير صورتي على خلفية شاشة القفل في موبايلك. انت تنظر الى وجهي كل ثانية وهذا يجعلك تقرأ الوقت وتشعر بثقله.

كتب إليها: صح. انا افعل هذا ولكن سأزيل التوقيت من الشاشة وليس صورتك.

وصله مسج منها بعد ان انهى سيجارته: لا تنم اليوم في تختنا. انا قفلت باب الدولاب على ملابسي وأشيائي كي يبتعد عنك صوتي ونسيت ان صورتي على خلفية شاشة القفل في موبايلك.

سألته بعدها: هل فاز العراق على اندونيسيا وهل شعرت بألم في اسنانك مساء؟.

رد عليها: لا اعرف انا فقط شاهدت برنامج حديث البلد على الام تي في كي احكي لك ما جرى فيه حين تعودين في الغد.

وكتب بعدها: نعم شعرت بألم في اسناني مساء ولكنني ظننت أن اسنانك انت توجعك.

ردت عليه: انا شعرت بالألم للحظة لهذا فسرت الامر على انه وجعك انت.

كتب إليها: حين ضحكت منى ابو حمزة في البرنامج شعرت بألم اسناني للحظات وأنت تحبين منى لهذا ظننت انها اسنانك انت.

كتبت إليه: انا شعرت بالألم للحظة وأنت قلت انك شعرت به للحظات ومعنى هذا انها اسنانك انت.

كتب إليها: احتمال..


سونولوس

استدارت آخذة الزاوية فتساوى كتفها مع ضلع الاطار الذهبي. اشتركت يدها اليمنى مع اليسرى في الامساك بذراع حقيبتها السوداء ونظرت عميقا في عينيه. كان قد حجز باب المصعد للسيدة العجوز التي اومأت له بالانتظار.

حين ضغط على رقمين متابعدين، وهو لامع الوجه بفعل الانعكاس، كانت ما تزال متمسكة بتلك النظرة الثابتة والمرتفعة. ابتسمت له العجوز بوجهها الذي يشبه عجينة متخمرة. كانت ازرار معطفها كبيرة وخشبية. وسعت العجوز من عينيها وفمها يرتجف قليلا فابتسم لها بامتنان.

تأخرت عنه وهو يفتح باب الغرفة. كانت هادئة تماما، الا انها ليست معزولة. سار باستقامة واخذ يزيح الستارة عن النافذة وقد تأكد انها لم تعد مهتمة ومكتفية بنفسها. كان المسبح الفارغ في اسفل المنظر يوحي باقتراب العاصفة والالوان بما فيها الزرقة التقليدية والصبغة الخشبية تدل على الهلع.

استمرت على انشغالها بنفسها وهي خلف ظهره. بهدوء فتحت خزانة الثياب وهو ما يعني انها اعادت كل ما عليها الى مكانه دون استعجال وبتكبر رفيع، واستنتج انها منذ دخولها الغرفة، وإلى أن اغلقت باب الحمام عليها وهي في كامل الاسترخاء.

نظر الى الدائرة غير المكتملة لبناية الفندق، ورصد تحركات الغيوم السود، واعتقد ان من الافضل ترك كل شيء هنا حين يغادران نيقوسيا في الغد. ستعرف انه لا يستطيع الاحتفاض بشيء لايمت بصلة الى رغبتها. ربما اذا خرج من نيقوسيا وهو بلا ادوات حلاقة وبجورب واحد، فانها ستدرك كم هو نادم على ما سببه لها من ضيق في شارع سولونوس، وستعرف انه بحق يعتبرها افروديت القبرصية المخلوقة من زبد البحر ودم اورانوس. فكر انه حين يفعل ذلك فانها ستتذكر كل بهجته الاسطورية التي تخلى عنها في محاولة التكفير القاسية. وربما ستتذكر كل مكائده التي اختلقها من اجل ابتساماتها المتكررة قبل ان تغضب منه في سولونوس.

نبه نفسه الى أنه لا يجوز أن يتصرف بهدوء كما فعلت قبل ان تدخل الحمام، وان عليه ان يكون مقتنعا بذنبه. حذر نفسه من اللامبالاة التي تزيد من حزنها، وقال لنفسه انه يشعر بالذنب حقا، وانه حين سيغير ملابسه عليه ان ينزع عنه بهجة العشاء والموسيقى اليونانية ويزيل عن وجهه تفتح الاستمتاع. سيكون وكأنه لم يأت الى هنا. متآكل الاحساس وكأنه قطعة كلسية ذوبها الندم. قال لنفسه انه يشعر حقا بانه اخطأ، وأنه لا يملك أية حجة مقنعة، وعليه الا يكذب، ولا يدافع عن نفسه، وان يظهر تعذيبه لذاته بشكل يخفف عنها آلام الزعل.

سمعها وهي تخرج من الحمام. تشنج في وقفته الا انه لم يكن باستطاعته فعل شيء، وفكر انه اذا ما تحرك امامها بتحد، فان ذلك سيجعلها تتذكر، وسيحزن جمالها اكثر واكثر.

قالت له:

- غير ثيابك.. انت بنفس الهيئة التي كنت عليها في شارع سونولوس، وهذا يجعلني اتذكر ما حدث.

أرخى ستارة النافذة، وخلع الجاكيت وهو يستدير دون ان ينظر في عينيها.

عادت لتقول:

- لا أعتقد أن افروديت خلقت من زبد البحر، وانما من رغوة الشامبو.


شوربة

أبقت يدها على جبينه وهي مستلقية بجواره على السرير، تنظر إلى لوحة المزهرية التي اشترتها من تاج مول في عبدون. سألها وفمه تحت المنشفة الحمراء ان كانت تجرب قياس الحرارة والنبض معا. شدت على شفتيها فتطلع اليها قائلا ان قلبه يطفح بالاسى على نهايته الموجعة، وان من الاستخفاف ان يموت بين يدي طبيبة نسائية تفضل الشوربة على الادوية والمسكنات.

نظرت إلى سبابتها وهي ترفع المنشفة عن فمه وطالبته بقبلة الظهر الشافية لاصبعها المحروق. أعاد المنشفة الى ما فوق انفه وقال انه يخشى عليها من الفايروسات.

لم تتغير ملامحها. التوى جسدها وهي تغادر السرير. قالت بعد أن رفعت سروال بيجامتها:

- احمدْ ربك لان الطبيبة النسائية هي الوحيدة التي تقدر قيمتك الذكورية.

سألته إن كان بحاجة الى وسادة اخرى فرد بانه يفضل ان يبقى على وضعه ريثما تجهز شوربة الدجاج. نظرت الى نفسها في المرآة وقالت انها ستغامر في قص شعرها.

كشف عن فمه وقال وهو يرفع رأسه:

- اقتربي.. سأقبل اصبعك. لا اريد ان تقصي شعرك.

نظرت اليه من طرفي عينيها وشدت شفتيها المطبقتين نحو غمازتها اليسرى. قالت وهي تفتح الباب انها ستحضر الشوربة.

رفع ساقه ساحبا اللحاف الى ذقنه فعادت ومدت رأسها:

- انت لا تريد لاصبعي المحروق أن يشفى.

ارتجف وهو يخبرها انه فكر بان قبلة الاصبع ستعديها. سألته ان كان يشم مثلها رائحة احتراق الدجاجة. رد وهو يشعر بالخذلان:

- انفي مثل باذنجانة مشوية من شدة الاحتقان.

تعلقت بالباب وقالت:

- ولكنك قبلت اصبعي صباحا. اين كانت فايروساتك وقتها. هل مللت ام ان منظر اصبعي المشوه لا يعجبك؟.

اخذ وقتا قبل أن يجيب:

- انت وضعت اصبعك على شفتي واخذت القبلة.

اشارت الى صدرها وهي تتقدم خطوة:

- انا تصرفت بعاطفة رغم الاحتمال الكبير في ان تكون انفلونزتك خنزيرية. انا كنت على استعداد لان اموت معك ولا أحرم اصبعي من قبلتك.

رفع نفسه الا انه اكتفى باظهار تعابير الاسف المتعذبة. تابعت وهي تعود الى الطرف الاخر من السرير:

- انظر ماذا فعلت. انت لن تشفى من الانفلونزا لان الدجاجة احترقت، واصبعي لن يطيب لانك لم تعطه قبلة الجرعة الثانية. لو انك قبلت اصبعي كما فعلت في الصباح لما احترق شيء ولكنت جلبت لك طبق الشوربة على صينية الفضة وجلست اطعمك بيدي.

استلقت على السرير. اعطته ظهرها وهي تطوي ركبتيها.

قال وهو يداعب شعرها:

- حبيبتي هذه كلها تخمينات. سأقبل اصبعك الجميل المحروق وعليك ان تذهبي وتضيفي القليل من الماء الى الدجاجة وستنتهي المشكلة ونشفى انا وانت.

ردت بخمول:

- يبدو أن عليّ ان اركب لفمك لولبا كي يمنعك من نطق العبارات الجارحة.

حرك كتفها برفق:

- لولو.. لولو.. سنحترق.

غطت وجهها بشعرها وقالت بخمول:

- لم اضع الدجاجة على النار بعد.


خنقة حمراء

فتحت الصندوق الفضي بعد ان قربته من حافة منضدة الزينة وفكت عن الاحجار القمرية البيض اطراف القطيفة وسألته إن كان يفضل ان ترتدي عقد اللؤلؤ. رأته في المرآة وهو يتأكد من ثبات الزرين المعدنيين في كمي قميصه الابيض.

قال بهدوء صقيل:

- عقد حجر القمر السريلانكي الابيض يناسبك اليوم. سيشعرك بالثقة ويزيل عنك تعب النهار وستلمعين به.

ابتسمت وهي ترفعه من الصندوق مع القرطين. استدار مقتربا منها. تقابلت نظراتهما في المرآة قبل ان يأخذ من اصابعها طرفي العقد ويشبكه حول رقبتها. اعاد ترتيب شعرها بلمسات خفيفة. قالت ان في فستانها الاحمر الكثير من التفاصيل المشتتة وهي تخشى ان يعيق تواصلهما في حفلة السفارة. اراها ابتسامة مريحة وهو يتراجع خطوة متأملا مظهرها بالفستان وهي جالسة.

قال لها:

- انا الان اميز رائحتك فيه. بالأمس وأنت تريني اياه مساء تعمدت ان ابقيك مرتدية الفستان لفترة طويلة واليوم حين عدتُ بعد الظهر ولم اجدك في البيت تحققت من رائحتك فيه.

انتعش وجهها وهي تقول:

- احب فتشيتك في الملابس.

رجع الى السرير واخذ يقلب ربطة العنق الحمراء ماركة غوتشي. وجدها تقف لصق كتفه وتميل قائلة بأنها سعيدة لأنه هذه المرة سيضطر بلا الحاح منها الى ارتداء ربطة عنق. رفع ياقة القميص ورد وهو يصلب رقبته:

- سأرتديها لأنها هديتك وليس من اجل الرسميات.

قالت ضاحكة:

- لقد بحثت لثلاثة ايام عن فستان يتطابق مع لون ربطة عنقك الغوتشي حتى اذا ما داهمك الضيق تنظر الي وتراني الاحمر الذي يخنقك.

قال وهو يعطيها ظهره كي تلبسه الجاكيت الاسود:

- لا تضعي اي عطر.. وكوني قريبة جدا. اريد ان استنشقك انت فقط.

تمتمت:

- أعرف.. أعرف.

قال وهو يستدير بوداعة لعبة اطفال مستسلما لأصابعها وهي تشد العقدة:

- سيفكر السفير وهو يرى ربطة عنقي بأنني استفزه.

قالت:

- لن نبدو كشيوعيين وإنما كعاشقين.

طلب منها مجددا الا تبتعد عنه وهما هناك. ضحكت وهي تسحبه اليها من ياقة الجاكيت قائلة بانه بعد ان اهدته ربطة عنق لن يجرؤ على القول انه يكره ارتداء الملابس الرسمية، وانها تخشى ان يتجاهل الجميع في الحفلة ولا يتحدث سوى معها.

اخذت ملامحه شكلا جادا:

- طبعا.. انها فرصة لان نتحدث معا عن توازن القوى الجديد وعن خنقة الدول الفقيرة بالديون، فمنذ مدة طويلة لم نتكلم انا وأنت في السياسة.

تساءلت ضاحكة:

- والسفير المسكين؟

اجاب بثقة:

- طز.